قضية وحدة الاديان (الجزء 11)
بعد تقديم الإيضاحات
اللازمة المتعلقة بمفاهيم التسامح و الجهاد من جهة,
- و
تاثيرات الاستشراق والاسرائليات
على الفكر العربي الإسلامي من جهة أخرى, تصبح مسألة وحدة
الأديان أكثر وضوحا مع عرض المراجع القرآنية حول هذا الموضوع.
وبعد هذه التفاصيل،
يمكننا القول إن سوء الفهم الكبير حول مسألة وحدة الأديان والتعريف الحقيقي لمفهوم
الإسلام في القرآن، يأتي أساسًا من الاختلافات في تفسير الآية
الآتية :
وَمَن
يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ
مِنَ الْخَاسِرِين" [آل
عمران:85]،
كما أوضحنا حتى الآن،
فإننا نتعامل مع رؤيتين متعارضتين تمامًا:
-1 رؤية أصولية وغير متسامحة تسعى إلى حصر الإسلام في "ملة" محمد صل الله عليه وسلم.
يمكن تلخيص جوهر هذه
الأطروحة على النحو التالي: الدين الذي أرسل الله به
الرسل وأنزل به الكتب هو دين الإسلام، ولا يوجد شيء اسمه (الديانات السماوية)،
والباقي إما شرائع ورسالات سماوية أصلها الإسلام، لكنها حرفت وبدلت كما حدث مع اليهود
والنصارى، فلم تعد دياناتهم سماوية.
ولكن هل مثل هذا
التفسير يبرر مواقف التعصب و الإقصاء تجاه أتباع الديانات الأخرى في العالم الحديث
؟ هذا هو السؤال الذي لا يستطيع أنصار رؤية الإقصاء هذه الإجابة عليه.
من خلال عدم قدرتهم على حل مثل هذه
المعادلة، يقعون في فخ الرؤية التكفيرية دون تقديم بديل واقعي.
ملاحظة
مهمة للغاية : من خلال الدفاع المستمر عن مثل هذه الرؤية
غير المتسامحة والإقصائية، يساهم الفقهاء المحافظون (وما أكثرهم في جميع
البلدان العربية) في إمداد أعداء الإسلام
الغربيين بحجج وهمية لتنفيذ و توسيع حملتهم الإعلامية ضد الاسلام
من خلال
تنظيم دعايتهم الإعلامية حول حقيقة أن الإسلام لا يتوافق مع الديمقراطية القائمة
على احترام الآخرين والحرية السياسية والدينية .
والأسوأ
من ذلك، أن الفقهاء المتعصبون والقادة السياسيون المستبدون يساهمون (طوعًا أو غير طوعي) في
مساعدة الكيان الصهيوني بشكل غير مباشر للاستفادة من الدعم غير المشروط من جانب الغرب الذي يقدم
هذا الكيان هذا الكيان الصهيوني (على الرغم من طابعه العنصري) أنه يمثل
"الديمقراطية" الوحيدة الموجودة في العالم العربي.
2-
الرؤية الثانية :هي الرؤية المنفتحة التي تدعو إلى التسامح والتقارب بين الأديان كافة وترى أن الإسلام يشمل جميع الأنبياء الذين استشهد بهم القرآن ، مما يجعل الإسلام دين
التسامح عالمي و كوني. هذه القراءة الأخيرة هي التي تهيمن على البحوث الأكاديمية
والتي تطرح كهدف أساسي الحاجة إلى "إعادة
بناء" الفكر العربي الإسلامي الذي من شأنه أن يساهم في تطوير ديمقراطية حديثة
واحترام حقوق الإنسان داخل المجتمعات العربية ككل.